التطرف والعنف

مفهوم العنف

 إن لمفهوم العنف دلالات متعددة بحسب المنظور الذي نناقش به هذا السلوك، تعريف العنف لدى علماء النفس والاجتماع يختلف عنه لدى علماء السياسة والقانون وعلم الإجرام ، لذا فهو مقرون بالوضعية والظروف المحيطة به ويبقى التعريف الأشمل هو إعتبار العنف كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسدياً أو نفسياً فالسخرية والاستهزاء من الفرد، فرض الآراء بالقوة، إسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.


أ- العنف لغةً :

عنف – عنفا و عنافة به وعليه: أي لم يرفق به .
العنف : الشدة و القساوة ، ضد الرفق.
عنف : فلانا ، لامه ووبخه بالتقريع، وعنفه، أخذه بشدة ولم يرفق به فهو عنيف، ج :عنف
أعنف : فلانا ، أخذه بشدة ولم يرفق به .
اعتنف : الرجل الأمر، أخذه بعنف وبشدة .
العنف و العنف و العنف : ضد الرفق

ويعرف العنف لغة على أنه العنف ضد الرفق ويراد به الشدّة والخرق

قال ابن منظور في تعريف العنف: هو الخُرْق بالأمر وقلَّة الرِّفْق به، وهو ضد الرفق (لسان العرب ج9 ص429).

وترجمة كلمة عنف للفرنسية تعني Violence وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية vis أيالقوة وهي ماضي كلمة Fero والتي تعني “يحمل” وعليه فإن كلمة عنف Violence تعني “حمل القوة” أو تعمد ممارستها تجاه شخص أو شيء ما. 

ب- العنف اصطلاحا:

تعرف الأمم المتحدة العنف على أنه “الفعل القائم على سلوك عنيف ينجم عنه الإيذاء أو المعاناة (الجنسية، النفسية)، أو الحرمان النفسي من الحرية في الحياة العامة أو الخاصة”.

تشير الموسوعة العلمية (Universals) أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.

ذكر قاموس (Webster) أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير وتعني بمفهوم العنف هنا تعمد الإضرار بالشخص (كالمرأة أو الطفل)، وقد يكون شكل هذا الضرر مادي من خلال ممارسة القوة الجسدية بالضرب أو معنوي من خلال تعمد الإهانة المعنوية بالسباب أو التجريح أو الإهانة.

قاموس راندوم هاوس (Random Hause Dictionary ) إلى أن مفهوم العنف يتضمن ثلاث مفاهيم فرعية هي فكرة الشدة والإيذاء والقوة المادية.

كما يمكن تعريف العنف على أنه سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسياً مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.

وللتعمق أكثر في فهم مصطلح العنف، سنقارب هذا المصطلح من زوايا فلسفية متعددة:

ج- العنف في علم النفس:

* في علم النفس تتعدد التعريفات فنجد:

– أن فرويد يرى أن العنف هو نزعه طبيعيه في الإنسان، وتستند إلى رغبه تدميريه ( ليبيدو سالب) ، وهي تعبر عن نزعة تلقائية لكل كائن عضوي نحو الموت، ويقابلها  نزعة  طبيعية أخرى  نقيضة  لها هي نزعة الحياة (نزعة الإيروس)، والتي تدفع الإنسان إلى الإبداع.

– في حين يرى إيريك فروم  أن العنف ليس سلوك طبيعي اساسي، وان علم النفس الحيواني يؤكد أن الحيوانات لا تكون عنيفة إلا في حالات معينة، وان العنف في هذه الحالات هو وسيلة وليس غاية.

– أما ستانلي ميلغرام  فقد قام بإجراء تجربه أطلق عليها اسم (حدود الخضوع للسلطة)،  واستخلص منها انه رغم أن هناك نزعه عدوانية طبيعية لدى الإنسان، إلا أن الظروف التاريخية والاجتماعية هي المحدد الأساسي لظهور العنف.

د- العنف في الفلسفة:

* في الفلسفة هناك تعريفات تختلف بإختلاف الحضارات المؤسسة لها، فنجد:

  • الفلسفة السياسية اليونانية :

 استنادا إلى مفهوم الجدل يرى هيراقليطس أن العنف ضروري للعالم، فلا يوجد شيء بدون عنف، فلكي يوجد أي شيء يجب أن يلغى شيء آخر، يقول ( الحرب أب كل شيء ).

  •  الفلسفة السياسية الاسلامية :

اعتبر الفارابي في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) أن الغلبة والقهر هما من خاصيات المدينة الضالة، فالسياسة  لا تقترن بالضرورة بالعسف والعنف، ففي المدينة الفاضلة يسود العقل الكامل والقيم المثلى. وتكون السياسة فيها حكيمة وقويمة حيث تهدف إلى إسعاد الإنسان.

 أما ابن خلدون  فيرى أن الدولة هي ضرورية للحد من نزوات الإنسان الأنانية، ومن نزوعه إلى التظلم على الآخرين سعيا وراء مصالحه ومنافعه الخاصة، على أن الحكم لا يكون عادلا بالضرورة، بل إنه في كثير من الأحيان يجنح إلى العسف والقهر لأنه يعود في جذوره الاجتماعية إلى القوة والصراع، ويعبر بالتالي عن سيطرة قبيلة تحظى بعصبية أقوى من القبائل الأخرى، فالسياسة تقترن عند ابن خلدون بالقوة والعنف إذ يتعذر إخضاع الناس واستمالتهم بالطرق السلمية.

  • الفلسفة السياسية الاوربية الحديثة:

اعتبر ميكافيلى  أن للسياسة  قواعد خاصة بها، والتي لا علاقة لها بالقيم الدينية والاخلاقية، ومن هذه القواعد التي يجب أن يتمسك بها الأمير، هي اللجوء إلى العنف، فالعنف يعد عنده  من المكونات الأساسية لكل فعل سياسي ناجح.

 آما هوبز فيرى أن العنف يمثل عنصرا أساسيا في العلاقات الاجتماعية، ذلك أن الباعث الأساسي لسلوك الإنسان هو حب البقاء والحفاظ على الذات، وبالتالي فكل إنسان بحكم أنانيته الطبيعية يمثل خطرا بالنسبة لكل إنسان آخر، ففي الحالة الطبيعية السابقة على وجود الدولة يكون “الجميع في حرب ضد الجميع”، لذا يتحتم تأسيس دولة قاهرة (الأمن والسلطة) لإيقاف الحرب ولضمان الحياة واستمرارية المجتمع.

 أما ماركس فيرى فيرى أن العنف هو إفراز تاريخي، نتج عن تعارض المصالح  بظهور الملكية الفردية. و يربط إنجلز بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وظهور الأسرة والسلطة والعنف.

  • الفلسفة السياسية الغربية المعاصرة:   

يرى جورج سوريل أن  الجماهير تؤمن بالأساطير السياسية أكثر مما تؤمن بالأفكار الواقعية، فهي وإن كانت غير قابلة للتحقيق الكلي على مستوى الواقع، فهي تختزن بنظره “طاقة تفجيرية”، ومن شأنها أن تقود الجماهير إلى الثورة ضد النظام القائم، كما يرى انه عن طريق العنف يمكن إحياء المجتمع من جديد.

أما فانون فيرى في كتابه ( المعذبون في الأرض) إن الدولة الكلونيالية (الاستعمارية) تخفي إنسانية الإنسان المقهور والمستعمر،وتلجأ إلى شتى الوسائل لإهانته واستعباده، وبالتالي فلا يمكن القضاء على هذه الدولة إلا عن طريق العنف، فهو الوسيلة الوحيدة التي تبقى لدى الإنسان المستعبد لاسترجاع ذاته وحريته،  وهوعنف مطلق ضد استعمار مطلق،  لذا يمكن القول أن العنف يعيد الحياة إلى الإنسان المقهور، ويوقظه من سباته العميق ويكشف له عن إنسانيته التي طمسها المستعم.

Yassine SOUIDI

أضف تعليق

انقر هنا لإضافة تعليق