السلوك الإدماني

الإدمان على العمل مرض يدمِّر حياتك وصحتك

العطلة بالنسبة لك نوع من العقاب.. كل من يحاول إبعادك عن واجبات العمل هو بالنسبة لك عدو، ولا يمكنك البقاء دقيقة واحدة بعيدا عن فضاء الإنترنت، لأنك تشعر على الفور كأنك من دون يد. كل هذه المشاعر، وغيرها كثير، تعتبر سمات ملازمة للشخص المدمن على العمل أو ما يعرف باللغة الإنكليزية بكلمة «ووركاهوليك». إذا كنت من هؤلاء الذين يشعرون بأي من تلك المشاعر، فأنت مصاب بذلك المرض أيضا

images (14) 

مرض الإدمان على العمل يصيب الرجال أكثر من النساء، لكن كما هو الأمر في حالات الإدمان الأخرى، فأول من يلاحظه هو البيئة المحيطة بالشخص المعني. فإذا كنت من المصابين بذلك المرض، فإنك في العادة ستسعى للمجادلة بشراسة بأن الجميع حولك مخطئون، لأنك في الواقع طبيعي وسليم. لكن يكفي أن تحل عطلة نهاية الأسبوع أو أن تُجبر على أخذ عطلة أطول، لكي تصبح «واقعيتك» و«طبيعتك» جزءا من الماضي. فعدم القدرة على العمل تنقل المصابين بمرض الإدمان على العمل إلى حالة من التوتر النفسية الكبيرة جدا، لكن يمكن أن تثير لديهم أيضا حتى بعض الأعراض الجسدية. وتعتبر أعراض مثل آلام الرأس، الحركة المتوترة الدائمة، أو الشعور بالانقباض وعدم القدرة على التنفس، من الأعراض الدائمة الملازمة للمصابين بهذا المرض، لاسيما هؤلاء الذين يُمنعون بشكل أو بآخر من ممارسة العمل الذي يرغبون في القيام به.

آثار وخيمة

هذا بالطبع لا يعني أنك ستشعر بشكل جيد في اللحظة التي سيكون بإمكانك فيها العمل. فمعطيات مؤسسة «ذي وورك فاونديشن» تفيد بأنه كلما خصص الناس وقتا أطول للعمل، انخفضت نسبة رضاهم وفاعليتهم.

وبالتالي، فإذا حلّت عليك «نعمة» مرض الإدمان على العمل، فإن الأمور ستبدأ بالتعقد ضمن علاقاتك الاجتماعية الأقرب (هذا بالطبع إذا لم تكن زوجتك مصابة أيضا بمرض الإدمان على العمل ولا وقت لديها لملاحظتك)، وستبدأ بتجاهل مصالحك وحتى صحتك. في البداية ستكون في خضم معركتك العملية ناجحا وربما سيلاحظك مسؤولك في العمل ويثني عليك، لكن بعد فترة من الزمن سيبدأ الإفراط في العمل بترك آثاره الوخيمة على صحتك ووضعك النفسي.

فبالإضافة إلى رفضك أخذ العطلة المستحقة، ستكون غير قادر على الخلود للراحة كما يجب، ولا تسمح بذلك حتى لجسدك أو عقلك، ما يتسبب بخفض نسبة أدائك، ويجعلك أكثر توترا وإنهاكا. كل ذلك يؤدي لاحقا لمزيد من التوتر والشعور بالضغط، ما يساهم في خلق وإغلاق تلك الحلقة الشريرة المفرغة

شعور زائف بالنجاح

المشكلة مع مسألة الإدمان على العمل تكمن أيضا في الرأي السائد داخل المجتمع، الذي يفيد بأنه لا يمكن توفير الضمان المادي والحياة الرغدة من دون العمل الشاق. إلا أن الأطباء النفسيين يحذرون بأنه في هذه الحالة غالبا ما يبدّل الناس العمل الفعال بالوقت الكلّي المخصص للعمل، إذ يشعر الناس غالبا بأنهم إذا قضوا وقتا أطول في العمل، سيقدمون أداء أفضل وسيحصلون بالتالي على التعويض المطلوب.

المصابون بمرض الإدمان على العمل لا يمكنهم تصور امكانية تحقيقهم لحالة الاكتفاء والنجاح في قطاعات أخرى غير العمل المحدد. وبالرغم من أنهم يكونون غير ناجحين في قطاعات أخرى مثل قطاع العلاقات الاجتماعية، فإن الإفراط في العمل يمنحهم الشعور بأنهم ناجحون ويتمتعون بحياة كاملة بكل قيمها.

وحسب الخبراء يضاف إلى ذلك، لاسيما لدى الرجال، نوع من التنافس، حيث يسود لديهم انطباع جيد، لأنهم يعملون لفترة أطول من زملائهم. لكن خبراء علم النفس يؤكدون أنه لا يوجد أي شيء مشترك بين مرض الإدمان على العمل ومسألة الاجتهاد والسعي لتحقيق الهدف والعمل الشاق. ففي حين تعتبر هذه الخصائص مرادفة لمسألة الإنتاج والفعالية، يكون الإدمان على العمل من جهة أخرى مدمّرا بشكل قوي ويساهم بتفكيك كل قطاعات الحياة المرتبطة بالشخص المصاب.

وكما يفيد أحد الكتب اللطيفة في علم النفس، فإن الإنسان الطبيعي يحلم أثناء العمل بكيفية قضاء عطلة نهاية الأسبوع، في حين أن المدمن على العمل يحلم أثناء عطلة نهاية الأسبوع بمتى وكيف سيعود إلى العمل.

إذا أراد الإنسان أن يعمل بشكل قاسي لكي يتمكن من تحقيق أهدافه مع الحرص على الحفاظ على توازن وفاعلية حياته، فإن ذلك ليس سيئا أبدا. إلا أن المدمنين على العمل يعملون في الواقع لمجرد العمل، في حين تتوقف قطاعات حياتهم الأخرى عن العمل بشكل سريع.

حول العالم في أرقام

يتسبب هذا المرض في اليابان وحدها بحوالي ألف حالة وفاة سنويا، ويعتبر سببا مباشرا لخُمس حالات الإصابة بالسكتة الدماغية والقلبية لدى الأشخاص من دون الستين من العمر.

وفي السياق نفسه تتحدث الإحصائيات الكندية على أن ثلث المواطنين في هذا البلد يعتبرون من المصابين بمرض الإدمان على العمل. وبرغم ذلك، فإن فترة العمل لم تتوقف عن الارتفاع خلال العشرين عاما الماضية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يعمل كل سادس شخص أكثر من ستين ساعة أسبوعيا، في حين يصل الرقم في بريطانيا إلى ستة وأربعين ساعة. وهذا يرتبط بشكل خاص بالرجال الكبار في السن من ذوي التعليم العالي الذين يحصلون على رواتب أعلى من المعدل المتعارف عليه.

هل أنت مدمن على العمل؟images (10)

هل تراكم العمل عليك بشكل كبير جدا، أم أن أداءك العملي لا يزال طبيعياً؟

إذا عثرت على وصف ينطبق على شخصيتك ضمن ثلاث من النقاط التالية على الأقل، فقد حان الوقت لكي تلجأ إلى الطبيب المختص، وتطلب النصيحة اللازمة.

  • محيطك ينبّهك دائما إلى أنك تفرّط في العمل.

  • تعمل حتى في المنزل وخارج إطار الوقت المحدد للعمل.

  • لا تذهب إلى العطلة إلا مجبراً، وتأخذ معك بعض الأمور المرتبطة بالعمل.

  • تعاني من مشاكل في العلاقة الزوجية بسبب إفراطك في العمل.

  • تشعر بشكل أفضل في العمل بعكس ما تشعر به خلال أوقات الراحة.

  • تقضي في العمل وقتا أكثر من الآخرين.

  • تقضي فيه وقتا أكثر من ذلك المطلوب منك.

  • إذا شعرت بالكآبة أو بالانقباض أو بالذنب، تحاول تعويض ذلك بالعمل.

  • إذا حاول أحدهم جذب انتباهك خلال قيامك بعمل ما، فغالبا ما تكون متوترا وعدائيا.

  • إذا لم تتمكن من القيام بالعمل، تصبح متوترا جدا.

  • لقد قمت بسبب عملك بالحد بشكل بارز من مصالحك وهواياتك وعلاقاتك مع الأصدقاء.

  • عملك يؤثر بشكل سلبي على  صحتك.

  • تشعر دائما بأنه لا يوجد أي شخص في العالم يمكنه القيام بعملك بالطريقة الجيدة نفسها كما تفعل أنت.

driss qarqouri

أضف تعليق

انقر هنا لإضافة تعليق