الوطنية والمواطنة

البيعة في المملكة المغربية

يعتبر النظام السياسي المغربي وليد تراث سياسي وديني وتاريخي يمتد لنحو اثني عشر قرنا من بداية الحكم الإسلامي في المملكة المغربية ، ولعل أهم ما يميز النظام المغربي عن تجارب الحكم في سائر الدول العربية اعتماده على مؤسسة  البيعة التي  شكلت على مر العصور آلية للاستقرار السياسي في المملكة المغربية.

 ونظام البيعة في المملكة المغربية يعتبر تقليدا عريقا وثابتا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه في تثبيت الحقوق والواجبات المتبادلة بين جلالة الملك والشعب من أجل تحقيق الأمان والعدل والإنصاف.
250px-سلطان_المغرب_مولاي_يوسف_تحت_مظلة_خضراء_في_مكناس_1916

فالإسلام في المملكة المغربية له  خصوصية بالغة الأهمية سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي ، إذ أن تاريخ نشأة الدولة المغربية متلازم مع اعتناق المغاربة الدين الإسلامي، خصوصا مع ارتباط الأسر التي تعاقبت على حكم المغرب بسلالة النبي (ص).

وتستند الشرعية الدينية لإمارة المؤمنين ممثلة في الملك  إلى عقد البيعة وهو عقد ملزم يشكل ميثاقا سياسيا بين الملوك والشعب، ويتجدد هذا العقد من طرف الشعب لكل سلطان يتولى الحكم ، وذلك بمقتضى البيعة يلتزم السلطان بتحقيق غايتين تتمثلان في الدفاع عن إقليم محدود وغير قابل للتفويت وتأسيس نظام مغربي كفيل بضمان الأمن للجميع.  

فمنذ نحو أكثر من 12 قرنا كانت هناك هيئة تبايع الملوك في المغرب وهذه الهيئة كانت مركبة من كافة فصائل وممثلي الشعب من طبقات العلماء الذين كانوا على عقد البيعة وكان هناك رجال السلطة والقواد والباشاوات  والولاة ومن هؤلاء تتشكل البيعة .. والبيعة بهذا المفهوم تعتبر في المغرب أمر أساسي لممارسة السيادة من خلال ولاء الأشخاص والقبائل للسلطان ، وحين يصدر هذا الولاء فانه يصبح نهائيا ويهم مجموع الإقليم الذي عبر سكانه عن ولائهم ، والتعبير عن الولاء بواسطة البيعة يعتبر أسمى وسيلة لإقرار سيادة السلطان المنشاة أساسا في الشرعية الدينية. تجدر الإشارة إلى أن البيعة في المغرب كان لها على الدوام  طابع خاص، حيث أنها كانت دائما مكتوبة، إذ أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي لم تكتف بالبيعة الشفوية بل كانت مكتوبة، وكتابة البيعة عادة ما تكون من طرف العلماء ثم توجه إلى السلطان، وبمقتضى هذه البيعة تصبح واجبات الملك أن يحمي الدين من الضياع والتسيب، وأن يحميه ممن يريد أن يعتدي عليه أو يحرفه أو يمس به. 

ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار أن هناك علاقة جدلية بين البيعة والسيادة في المملكة المغربية ، ومفهوم السيادة في النظام السياسي المغربي له مرجعيتان مكملتان لبعضهما البعض، وهذا نجده في الدستور المغربي الذي ينص على أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء ، وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية .

وانطلاقا من خصوصية النظام السياسي في المغرب من حيث تبنيه مبدأ البيعة الذي يقوم على أساس إسلامي مستمد  من القران والسنة  فان البيعة ظلت إحدى دعائم السلطة السياسية في المغرب والتي تشكل كلمة السر التي تؤكد قوة المغرب وصموده في مواجهة كافة الأخطار التي تهدده على مر العصور, كما أن البيعة كانت دائما  تعمق الشعور الوطني للمواطن المغربي بأهمية التلاحم بين العرش والشعب في مواجهة التهديدات الخارجية.

 ولا غرابة في أن نلحظ التفاف الشعب المغربي في كل أزمة يمر بها حول العرش العلوي للدفاع عن الكرامة الوطنية وصيانة وحدة التراب المغربي، فقد ارتبط تاريخ العرش العلوي بالمغرب  بملاحم الجهاد ومواقف الشجاعة والشرف والكرامة، وبفضل هذا الرباط القوي ظل العرش العلوي رمز وحدة البلاد وحصنا منيعا من حصون الحرية والحفاظ على المقدسات والتغلب على جميع المؤامرات. وهذا التلاحم بين العرش والشعب  يعتبر  ظاهرة حضارية تجسد أسمى معاني التكامل والتناغم والحب والتناصر بين الملك والشعب. 

42f07dbe9acefd7aeff822fbbb949aa9

 إن ما يتميز به النظام السياسي المغربي من استقرار في الحكم والسلطة لهو  مرتبط بمجموعة من المعطيات التاريخية التي تطورت في تاريخ المغرب منذ دخول الإسلام إليه وأيضا تعاقب مجموعة من الأسر الحاكمة فيه  منذ عهد الأدارسة إلى قيام الدولة العلوية، فإن شكل نظام الحكم واعتماده على المبايعة وفق الأحكام الشرعية المعروفة في التشريع الإسلامي والأحكام التي عرفها محللوها من علماء الإسلام باسم “الأحكام السلطانية” كان له دور كبير في هذا الاستقرار طبعا إلى جانب المعطيات التاريخية الأخرى التي تحدد الظروف العامة والخاصة لكل مرحلة من مراحل تاريخ المغرب منذ الفتح الإسلامي إلى عهد  .ما يسمى الحماية (الاستعمار).

وإذا كان  عنصر الاستقرار والسيادة هما ضمانة  استمرار واستقرار  وازدهار وتطور  كل الأمم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا وحضاريا، وبدون ذلك الاستقرار تكون تلك الأمم منقوصة السيادة وفاشلة  في توفير حاجيات مواطنيها  في مختلف المجالات أهمها الأمن والاطمئنان والسلام , فانه  في ظل الاستقرار والسيادة  والأمن والآمان الذي ينعم به المواطن المغربي تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نجدها واضحة المعالم  ومن خلال مؤسسة البيعة، هذه الأخيرة  التي ترتبط بمسألة الرئاسة والسيادة والحياة السياسية للمسلمين في المملكة المغربية التي حافظت على هذا المفهوم شكلا و جوهرا،والتي تم تعظيم شانها  في القران الكريم باعتبارها حامية للاستقرار والأمن الروحي والمادي للمجتمع .حيث قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (الفتح10)

 و تبدو تجليات هذا الاستقرار وهذه السيادة ملموسة وبأبهى صورها  في مختلف  مظاهر ومجالات الحياة المغربية المختلفة ، ديمقراطيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا  ومعنويا اذ انه منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس الحكم في المغرب في العام 1999  فإننا نجد العديد من الإصلاحات والمكاسب التي حققها المغرب في عهده .

   إنجازات ومكاسب هامة شملت٬ على الخصوص٬ إصلاح الحقل السياسي من خلال تطوير الآليات الديمقراطية والعمل على توفير موارد العيش للمواطنين والمواطنات بما يسهم في حل المشاكل المادية٬ علاوة على الجهود الحثيثة المبذولة لتحقيق التنمية البشرية من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مدرة للدخل٬ في سعي إلى تحقيق ما أمكن من التوازنات الاجتماعية والنمو الاقتصادي٬ ما جعل المغرب في منأى عن تداعيات الأزمات  الاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول حتى المتقدمة منها .

Yassine SOUIDI

أضف تعليق

انقر هنا لإضافة تعليق